لن يستقر العالم بدون مشاركة الدول الفقيرة
أمريكا الأقوى في العالم، والأكثر قدرة على التدخل عسكريا أينما كان لكن وضعها الأمني ما زال في خطر وصحيح أن أمريكا قد أزاحت النظام البعثي في العراق، ولكنها لا تستطيع أن تمسح الأفكار القومية الإسلامية التي يتبناها المسلمون عموما لأن هذه الأفكار هي في الصدور والعقول وهي سر حضارة المسلمين سابقا وحاضرا ومستقبلا.
وهنا نستطيع القول إن على أمريكا أن تقوم بإستراتيجية جديدة تقوم على تنظيم جديد ووسائل جديدة وعقليّة مبتكرة من نوع جديد تواكب به الأحداث.
صحيح أن أمريكا مع 11 سبتمبر 2001 فقدت قدرتها الردعية بشكل فاضح، وأصبح لزاما عليها استعادة تلك الصورة الفاعلة بشكل سريع ولكن لا يعني ذلك أن تغزو أفغانستان والعراق و تهدد سوريا ولبنان وكوريا وتفتح على نفسها أبوابا كانت مغلقة.
الوقت يمضي في العراق، وهو محدود بالنسبة لواشنطن، لتثبت بأنه لا يزال في جعبتها ما تقدمه للعراق فالعراقيون قد عرفوا أن الحرب قد انتهت وأنهم إلى الآن يطالبون بقيادة جديدة تمثل جميع التيارات لتسير الأمور نحو الاستقرار وإعادة الإعمار، وإن لم يجدوا هذه القيادة الجديدة، فقد تنشأ قوة مقاومة تتبنى محاربة المحتل ومن ثم يعود الأمر إلى الانهيار.
وإذا استمرت الأمور على ما هي عليه من الرغبة في السيطرة واستغلال الموارد بالمنطق الأمريكي، فلن يكون بإمكان النظام العالمي الجديد الاستجابة لأي مطلب من المطالب البشرية المتوحدة.
فالهيمنة لم تعد مرتبطة في عالم اليوم المتفاعل والمتداخل بالقدرة على السيطرة والإخضاع أو بالقوة المادية بقدر ما أصبحت ترتبط بإظهار القدرة على القيادة أي بالقوة المعنوية السياسية والفكرية والقدرة على إبداع الحلول المفيدة والإيجابية للمشاكلات الكبيرة التي خلفتها الحقب الماضية وتلك النابعة عن الاندماج العالمي الراهن.
وطالما بقيت الدول الصناعية بمجموعها رافضة لمشاركة الدول الفقيرة في بلورة جدول أعمال السياسة العالمية لن يكون هناك أي استقرار عالمي، وسوف تستمر حالة الاضطراب والنزاع والفوضى.
فالدول العظمى تستمر وتدوم بمقدار ما تتمتع به من ليونة وقدرة على التحوّل والتأقلم مع المستجدات التي تطرأ، وأمريكا تعاني من مستجدات تهدد مركزها واستمرارها كقوة مهيمنة، فهل ستخرج من هذه التجربة سالمة؟
مصطفى غريب – الرياض
صحيفة الوطن العدد (988) السنة الثالثة ـ السبت 14 ربيع الآخر 1424هـ الموافق 14 يونيو 2003م