رداً على جمال خاشقجي
الصراع لن ينتهي بالتحدث للشعب الإسرائيلي وإنما بعودة اللاجئين إلى ديارهم عن طريق المقاومة
ردا على مقال جمال خاشقجي في العدد 1047 ليوم 12أغسطس2003 الذي جاء تحت عنوان “إنها ليست سذاجة”. أقول له أنت من الأشخاص الذين أحترمهم لكونه من المثقفين الذين يتمتعون بجرأة ومصداقية فهو يدلي بوجهة نظره ويطرح رأيه حول الحوار مع الإسرائيليين… بكل جرأة ولكن لنا أن نتساءل من يقوم بذلك ومتى وأين وكيف؟
ولنا في مؤتمر مدريد عبرة عندما حدد إسحاق شامير شروط إسرائيل بخصوص الانسحاب من لبنان بما يلي: “ليست لدينا أية مطامع في الأرض اللبنانية، ويمكننا في إطار معاهدة سلام وإنهاء الوجود السوري إعادة الأمن والاستقرار إلى الحدود بين بلدينا“., ولكن كيف انسحبت من جنوب لبنان إنها لغة القوة التي يفهمها الشعب الإسرائيلي وقيادته لأنهم يمارسونها على الشعب الفلسطيني.
هل تعلم أن الموقف “الإسرائيلي” التقليدي الرافض لمبدأ التفاوض مع الدول العربية مجتمعة، وإنما مع كل منها على حدة، ظل يحكم سلوكها من مؤتمر مدريد وحتى الآن . وهذا سر عدم رغبة إسرائيل في التفاوض مع الجميع في وقت واحد ومؤتمر واحد. وهذه هي الاستراتيجية التي يعتمدها الشعب الإسرائيلي في المفاوضات.
صحيح لم يتحقق النصر ولم تحرر الأرض ولكن لن يتحقق بالتحدث إلى الشعب الإسرائيلي وإنما بالعلم وبالعمل الجاد ولا داعي لتبادل اللوم ونحن جميعا “حكاما ومحكومين” نتحمل المسؤولية على هذا التراجع الذي أصاب الأمة.
وهذا الفرق بيننا وبين اليهود فمحطاتنا الفضائية تنعت زعماءنا بأبشع النعوت ووسائل إعلامهم يمجدون زعماءهم، وعليه يجب أن نثق بأنفسنا ونثق بزعمائنا حتى يسيروا بنا إلى بر الأمان.
إن المبادرة العربية ما زالت تحظى بالتشكيك وأن من يقوم بهذا التشكيك “لجان المستوطنين”، وهم يمثلون غالبية الشعب الإسرائيلي فعقلية المستوطن جبلت على التعدي على حقوق الغير وبالتالي لا جدوى من الحديث معه.
لقد اعتمد شارون أكذوبة الحرب على الإرهاب ليكسب مزيدا من الوقت وهذا فن يجيده الإسرائيليون لبناء مزيد من المستوطنات وتشجيع الهجرة إلى فلسطين لتثبيت سياسة الأمر الواقع وعندما تطالب السلطة بمفاوضاتها بخصوص اللاجئين الفلسطينيين وحق العودة تدعي إسرائيل أن لها لاجئين إسرائيليين وهي تكفل لهم حق العودة في العيش داخل إسرائيل فهل التحدث إلى الشعب الإسرائيلي سيعطينا ما نريد؟
ماذا سيكون مصير أربعة ملايين لاجئ فلسطيني علما بأن حق العودة قرار دولي. وهل يكفي لم شمل بضعة آلاف وتحويل قضية الباقين إلى مسألة إنسانية تشارك في حلها دول عربية وغربية توطيناً وتعويضاً . وما هو مصير الأراضي التي شيدت عليها عشرات المستوطنات التي تحولت إلى مدن يقطنها ما يقرب من ربع مليون يهودي؟
إن حملة العلاقات العامة هي في الواقع معركة سياسية في إطار معركة ميدانية على الأرض مكملة للمقاومة ومتوازية ومتناسقة معها من أجل إنهاء الاحتلال الإسرائيلي. لذا أرجو أن نترك الحوار السياسي لقادة الدول وما الشعوب إلا لتدعم موقف القادة الذي يعبر عن رأي الشعب, وما سر نجاح القيادة إلا بالتفاف الشعب حولها فالقيادة تستمد القوة من الشعب.
وفي الحقيقة هذه الانتفاضة لم تبدأ بقرار، وكذلك الانتفاضة التي سبقتها لم تبدأ بقرار، وإنما هي تعبير عن – أولاً- غضب الجماهير وتمسكها بحقوقها – ثانيا- عن خيبة الأمل والمرارة التي تعيشها الجماهير جراء سلسلة الاتفاقات والتسويفات والمماطلة. لأن عدم تنفيذ الاتفاقات من جانب إسرائيل، هي التي أشعلت الانتفاضة وستشعل انتفاضات أخرى، إن الصراع لن ينتهي بالتحدث للشعب الإسرائيلي وإنما ينتهي بعودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم عن طريق المقاومة. كما أنه لا توجد صفقة تبادلية في الحقوق الفلسطينية يعني الدولة مقابل التنازل عن حق العودة. وأما المبادرات التي تتنازل عن الحقوق المشروعة وعن شيء لا تملكه لن ترى طريقها للنجاح فصاحب الحق في التنازل هو الشعب الفلسطيني, أما لو قامت الدول العربية بتجنيس الفلسطينيين لكان لكل دولة الحق في التنازل عن حقوق من تقوم بتجنيسهم. وهذا أسهل في المفاوضات بين الأطراف الدولية لإنهاء الصراع العربي الإسرائيلي.
إن إسرائيل لم تلتزم بقرارات الأمم المتحدة ورفضت مبادرة الأمير عبدالله ومقررات القمة العربية في بيروت التي أعطتهم الحق في العيش بسلام مع العرب في دولة معترف بها من العرب كلهم وبعد هذه المبادرة لم يتوقف اليهود عن قتل الفلسطينيين. فكيف يمكن الحديث مع أمثال هؤلاء؟
ومن هذا المنطلق أود أن أقول إن الشعب الفلسطيني والعربي يراقب ما يجري، ويعبر عن غضبه بالانتفاضة حتى يصل إلى حقوقه التي يرتضيها فالعبرة بالنتائج، وليست بالوهم الفكري أو الأحلام السياسية غير الواقعية.
مصطفى غريب ـ الرياض
صحيفة الوطن الجمعة 15 رجب 1424هـ الموافق 12 سبتمبر 2003م العدد (1078) السنة الثالثة