لماذا تدعم أمريكا إسرائيل؟

لماذا تدعم أمريكا إسرائيل؟

هناك من يعتقد أن السياسة الأمريكية الخارجية تجاه الشرق الأوسط ومشكلة الصراع العربي الإسرائيلي هي نتيجة الضغط الذي يمارسه اللوبي اليهودي المؤيد لإسرائيل.

والحقيقة أن الوضع أكثر تعقيدا من ذلك لأن هناك صراعا بين عدد كبير من القوى داخل الولايات المتحدة للسيطرة على السياسات الخارجية، فمن غير المعقول أن يتحكم اللوبي اليهودي في مصير 300 مليون أمريكي وإذا كان كذلك فما بال الامم الاخرى التي تدعم إسرائيل وماهي مصالحها من وراء هذا الدعم؟

وبعض المفكرين يعتقد أن الحرب على الإرهاب لها علاقة بإسرائيل وأن المستفيد الاول والاخير هي اسرائيل، معللين هذا القول بالنتائج التي تحققت على الارض لصالح إسرائيل وعكس طموحات العرب والمسلمين.

واستفادت إسرائيل من تبديل وتحويل الافكار حول ” المقاومة المشروعة ” وجعلتها في أعين الكثيرين الى مقاومة غير مشروعة.

وبذلك استطاعت إسرائيل من تشويه صورة منظمتي ” حماس ” و” الجهاد الاسلامي فالاتحاد الاوروبي تبنى قرارا بضمهما الى المنظمات التي ترعى الإرهاب في الوقت الذي لم تنتهي المنظمة الدولية من تعريف الإرهاب.

وينبغي أن نعترف هنا بتفوق إسرائيل في السياسة أيضا وفشل الطرف الآخر في هذا المجال فبعض المفكرين والمنظرين من أبناء جلدتنا الذين قاموا بطرح وثيقة جنيف لدعم خارطة الطريق وهم يخدمون أهداف إسرائيل في المحافل الدولية.

وهي في نفس الوقت لاتزال تبني جدار الفصل العنصري وتهدم البيوت وتعتقل الناشطين وتفرض الحصار وتغتال القيادات ورغم كل ذلك نرى المبعوثين من الدول العربية قبل الغربية تسعى لتقريب وجهات النظر لإعادة المفاوضات الى مسارها.

حتى بعد مأساة مفاوضات أوسلو التي قدمت لإسرائيل الكثير من المكاسب وبعدما إنكشف زيف هذه المفاوضات إبتكرت اللجنة الرباعية مايسمى بخارطة الطريق التي تسميها إسرائيل بخارطة الطرق وشتان بين الطريق والطرق.

لذا تخلت حركة فتح عن الإستمرار في مفاوضات أوسلو حيث أيقنت عدم جدوى هذه الاتفاقية في ظل المعطيات الحالية وإنقسمت الحركة الى قسمين قسم يفضل العمل المسلح لتحرير الارض وقسم آخر يتبنى المفاوضات لتطبيق خارطة الطريق.

 فاللجنة الرباعية تريدها طريقا واحدا يحقق دولتان فلسطينية وإسرائيلية تعيشان بسلام أما إسرائيل تريدها عدة طرق وبمسارات متعددة فالطريق اللبناني والطريق السوري والطريق الفلسطيني الذي تريده أن يتشعب الى عدة مسارات.

ومنها مسار أو طريق كل منظمة تعمل على أرض فلسطين مثل مسار فتح ومسار حماس ومسار الجهاد وهكذا دواليك وإذا إستطعنا أن نقول أن إتفاقية كامب ديفيد الاولى حققت السلام بين مصر وإسرائيل وأرست الكيان الاسرائيلي بل أرست الدولة الصهيونية بإعطائها الأمان بمعاهدة سلام.

فإسرائيل تريد المفاوضات بمنطق الذي يتكلم ولايفعل أي ليس له عهد ولا ذمة أي تريد أن توقع على الاتفاقيات ولا تلتزم بها وما سر الهدوء على الجبهات المصرية والسورية والاردنية إلا هدنة بين هذه الدول وبين إسرائيل.

فرضتها الظروف الخاصة لكل دولة حتى وإن لم يتفق على بعضها رسميا الامر الذي يخدم مصالح إسرائيل التي ستقوم يوما ما بإعادة إحتلالها بعد أن تسيطر على الفلسطينيين أو تحتويهم بمخططاتها السياسية والعسكرية المبنية على سياسة النفس الطويل.

وما الحرب على العراق إلا لخدمة المصالح اليهودية فمبررات الحرب كانت لتدمير أسحلة الدمار الشامل ثم أصبح الاحتلال أمرا واقعا فهي رسالة لتأكيد حماية إسرائيل وتأصيل وجودها في المنطقة بل لتصبح شرطي أمريكا في المنطقة.

وزادت من تعقيدات حل مشكلة الصراع العربي الاسرائيلي بالمفاوضات وتريده أن يكون صراعا فلسطينيا إسرائيليا لايعني باقي الدول العربية في شيء وهو سر الالتفاف على سوريا للدخول في المفاوضات دون شروط.

وهي من اعظم الخدمات التي تقدمها امريكا ” الام الحنون” لربيبتها إسرائيل ولخدمة الصهيونية العالمية وهي بذلك أصبحت راعية للحرب وليست راعية للسلام.

وما الحرب على افغانستان إلا بداية حلقة تتبعها حلقات فالعراق إحداها وربما دول أخرى هي على الطريق وهي الحرب التي رسمت من اجل بقاء اسرائيل في المنطقة لتضمن مصالحها الاقتصادية والسياسية.

بعد ما إتضح للمحافظين الجدد أن الشعوب العربية تفرز إرهابيين ولو نفر قليل غيروا مسار العالم ومسار أمريكا بعد احداث الحادي عشر من سبتمير2001 , فالعالم كله تغير بعد هذا التاريخ والركود الاقتصادي العالمي أطل برأسه المخيف على دول العالم المتقدمة قبل النامية.

وإن كان الاقتصاد الامريكي قد تأثر بهذا الحدث الامر الذي جعل الحكومة الامريكية تبحث عن مصالحها وإعادة هيبتها بين الامم وإستغلت إسرائيل كل ذلك لخدمة مصالحها وأهدافها وأمريكا أصبحت كالأسد الجريح الذي يريد أن يحمي عرينه ويبقى ملك الغابة.

وأخذت تبطش بالضعيف ليخاف منها القوي فسياسة الضربات الوقائية أكبر دليل على ذلك فهي تريد إحاطة حدودها بحزام أمني يمنع أي عمل آخر شبيه حتى وأن شهد العالم حرب عالمية ثالثة.

فطالما تعتقد أن الخطر لازال قائم فلن تتوانى عن ضرب أي هدف تعتقد أنه يحقق لها الامن حتى ولو في إستعمار القمر والمريخ وما سر دعمها لإسرائيل إلا لإشغال العالم العربي والاسلامي بمشكلة إسمها الصراع العربي الإسرائيلي.

وهي في نفس الوقت تحقق أطماع لها في شتى اصقاع العالم وبذلك تسعى لضرب عصفورين بحجر أولا أن تشغل اليهود في حروب مع العرب والمسلمين وثانيا ضمان إستمرار بقاء رؤوس الاموال والخبرات اليهودية لدعم اقتصادها.

وكذلك للسيطرة على مصادر الطاقة في كل أنحاء العالم , ومن المعروف أن عجلة الاقتصاد الامريكي يزدهر بالحروب والنزاعات والشاهد على ذلك التدخل في كوبا وكوريا ومساعدة إسرائيل في حرب 67م وحرب 73م والتدخل في لبنان وحرب فيتنام والتدخل في الصومال والبوسنة والهرسك وصربيا ودعم العراق في حربها على إيران وتحرير الكويت بضرب العراق ومساعدة الافغان في جهادهم ضد الاتحاد السوفيتي حتى انهيار هذا الاتحاد وضرب أفغانستان والحرب على العراق واحتلالها، وأثر ذلك على اقتصادها .

إذن لابد أن تستمر هذه الحروب…… لماذا…؟ لدعم تطوير وتشغيل مصانع السلاح التي تساهم في التنمية ومن المعروف أن تجارة الاسلحة هي التجارة الاولى في العالم وكذلك للتخلص من ترسانة الاسلحة القديمة ببيعها وتحقيق إيرادات إضافية لدعم الاقتصاد.

وكما إعتادت العقلية الاميركية على تسديد فواتير الحروب من اقتصاد الدول، فبترول العراق كفيل بسداد نفقات الحرب كاملة غير منقوصة هذا عوضا عن التمركز في مواقع إستراتيجية جديدة لتحقيق إنتشار سريع للقوات يخيف باقي الدول منها.

 فوجودها في أفغانستان سيجعل الباكستان والهند وروسيا والصين تعمل ألف حساب لهذا التواجد القريب من الحدود وبذلك يكون حزامها الامني في اتساع مستمر حتى يشمل العالم كله.

مصطفى غريب – الرياض

مجلة فلسطين الخميس 12 شباط (فبراير) 2004