في ذمة الله يا شيخ أحمد ياسين
الجميع يعرف ان الدنيا لاتدوم لأهلها ولو دامت لوجدت الرسل والانبياء مخلدون، ولكن الشهداء هم الاحياء عند ربهم يرزقون.
فلقد إختار الله أن يكون الشيخ احمد ياسين بجواره ليمتحن الامة بعدما قدم هذا الشيخ المشلول أكبر الامثلة على التضحية والقيادة رغم ظروفه الصحية منذ شبابه.
وفي هذا اليوم 22/03/2004م الموافق 01/02/1425هـ فقدت الامة العربية والاسلامية علم من أعلام المجاهدين الذي تفانى في خدمة قضية العرب المركزية عن عمر يناهز السابعة والستين.
وقد ساهم مساهمة فعالة في إنشاء منظمة حماس التي أصبحت لها شعبية كبيرة ويعد من القادة الشجعان الذي قاوم المرض وقاوم الاعتقال وقاوم الاحتلال حتى لحظة استشهاده.
وكان رحمه الله يملك من العبقرية والقيادة والافكار النيرة والاقتراحات التي جعلت من منظمة حماس القوة والرقم الصعب في معادلة القضية الفلسطينية وحماس مرشحة فعليا لقيادة قطاع غزة بعد الانسحاب الاسرائيلي من جانب واحد.
وتمتع الشيخ خلال فترة حياته بمكارم الاخلاق والمروءة والتواضع فلم يكن صاحب دنيا وإنما كان يطلب الشهادة.
أما عن الاعمال التي قام بها هذا الشيخ لا يكفيها مقال وإنما مجلدات، ولكن صاروخ الغدر والاغتيال الصهيوني الشاروني كان بمثابة الصدمة على وجوه الفلسطينيين والعرب والمسلمين والحمد لله على قضائه وقدره.
فلعل الامة تتحرك الدماء في عروقها بمقتل الشيخ ولاسيما أن كثيرا من هذه الصواريخ إستقرت في لحوم أبناء العرب والمسلمين.
وستظل كالسيف مسلط فوق رقابنا حتى ننسى الخوف والجبن ونتحرر من العبودية والاحتلال الجاثم فوق صدر فلسطين التي تقدم الدم الفلسطيني وقودا لاستمرار حركة الانتفاضة المباركة.
وهي ماتسمى بإنتفاضة الاقصى التي إشتعلت بعد قيام شارون بتدنيس الاقصى وستظل إسرائيل تقتل من أراد الله له أن يستشهد وجميعهم أخوانا لنا في العقيدة والدين الامر الذي يجب أن نحس بهم وهم يواجهون اسرائيل بعدتها وعتادها.
وهم شعب أعزل نشاهدهم عبر القنوات الفضائية كمن يشاهد فيلما مرعبا فأصبحنا لا نحرك ساكنا ولا يهزنا الدم المسفوح أمام أعيننا بكرة وعشيا.
وهل نحن نؤمن بأن المسلم للمسلم كالبنيان إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر؟
فنحن نسهر لمشاهدة اخواننا، ولكن بدون حمى، بل وأصبحنا نتمنى موتهم لننعم بالدنيا ولذاتها او لنبعد الخطر عن دائرة اهتمامنا.
ولكن عناية الله فوق كل شيء وإن مات الشيخ الفاضل المشلول هذا اليوم فإن الشعب لم يمت وستلد فلسطين قياديين يستكملوا مسيرة الشهداء حتى يأتي نصر الله.
وينبغي أن نذكر في هذا المجال أن يد الغدر الصهيونية لاتمتد الا الى الشرفاء المخلصين من أبناء الامة وأما المتخاذلين الذين يحرصون على لقاء شارون فقد فقدوا بطاقة انتمائهم الى هذه الامة.
وينبغي مقاطعة شارون وحكومته والعودة الى الله في كل تصرفاتنا وأفعالنا وأن نتقي الله في أنفسنا ونطلب محاكمة شارون على هذه الجريمة النكراء.
ولكن على اسرائيل ان تعرف انها باغتيال الشيخ احمد ياسين لن تحقق الامن ولن تكسب حرب شاملة وماتزال اسرائيل تقدم على مثل هذه الاعمال، لأنها لا تخشى العرب ولا المسلمين.
وليس أدل على ذلك من تحديها للعرب أجمعين عندما قامت بالاجتياح في الوقت الذي كان ينعقد مؤتمر القمة العربي في بيروت كرد فعل على المبادرة العربية.
لأن اسرائيل لا تريد السلام انها تريد الاستسلام وتغرد وحدها خارج السرب وتدعي أن الزمان زمانها.
وأن أمريكا تأتمر بأمرها والعالم ينافقها وهم شعب الله المختار من وجهة نظرهم فلماذا لا يستغلون الفرص فالفرصة لا تأتي الا مرة واحدة وأمريكا في طريقها الى زوال فلابد من تثبيت مملكة اسرائيل من النيل الى الفرات في مخيلتهم وفي مخططاتهم.
الحقيقة أنني توقفت محتارا أمام هذا الهدف القابل للتحقيق في ظل المعطيات السياسية الحالية فنحن نجري وراء سراب ولنأخذ العبرة من التاريخ.
ولكن أحب أن أقول لإسرائيل أن فلسطين عربية وستبقى عربية وأما الاشخاص فزائلون ولن تنتهي القضية بموت زعيم من زعمائها أو أحد من شهدائها وأنما دمائهم هي الوقود الذي يزود الانتفاضة بالطاقة والحيوية حتى تحقيق النصر.
ويأتي تصريح شارون بأنه وراء هذا العمل الاجرامي يدل على حقيقة أن شيخنا الفاضل بما يملك من إيمان في قلبه أصعب على إسرائيل من كل جيوش المواجهة.
ونرجو أن ينصرنا الله بالمقعدين من أمثال هذا الشيخ الجليل الذي همه الوحيد هو رضا الله ثم تحرير فلسطين وتحرير أنفسنا من الخوف وبلادنا من الاحتلال والهوان الذي أصابنا واصاب الامة.
فالله سبحانه وتعالى يعطينا درسا كيف ان شيخا مشلولا كهذا استطاع ان يعمل الكثير وهو مقعد في الوقت الذي نرى كثير من غير المقعدين ترتعد فرائصهم خوفا من اسرائيل ومن وراء اسرائيل التي تطالبنا دائما بضبط النفس ونحن نستجيب ونتمسك بضبط النفس.
فهل ضبط النفس ان نرى المذابح اليومية ولاتهتز لها قلوبنا فوالله الذي لا إله الا هو لو ان محمية طبيعية في أقصى الدنيا بها حيوانات تعرضت كما تعرض له هذا الشعب لتحركت الدماء في عروق غير المسلمين لحماية الحياة الفطرية من الفناء.
فعجبي لقوم تجهش عواطفهم بالبكاء على حيوانات في محمية طبيعية ولاتهتز لهم شعره على شعب بأكمله في فلسطين.
وسبحان الله وهو القائل ان من قتل نفسا بغير حق فكأنما قتل الناس جميعا.
فيا أمة الاسلام لماذا نجري وراء سراب ولماذا نعلق الآمال على الغرب ونحن نعرف الدرب.
مصطفى غريب – الرياض
مجلة فلسطين الاربعاء 24 آذار (مارس) 2004