المجتمع الذي لا يتبنى ثقافة واضحة يكون التطور فيه صعباً

المجتمع الذي لا يتبنى ثقافة واضحة يكون التطور فيه صعباً

هل اتفقنا على شكل ثقافتنا التي يجب أن تكون ذات سمات مميزة ينبغي أن نحرص عليها لتكون هي الإطار الذي ينبغي ألا نشذ عنه.

فالثقافة عندنا مرتبطة بعوامل شتى منها العلوم الشرعية والموروث الاجتماعي سواء القبلي أو غير القبلي والثقافات والعلوم التي ورثناها عن آبائنا وأجدادنا ثم الثقافات والعلوم التي ترد إلينا بسرعة معلوماتية هائلة من خلال وسائل الاتصال سواء الفضائيات أو الإنترنت أو سرعة وصول الكتب والمطبوعات المختلفة.

ومن المفترض في كل هذه الثورة المعلوماتية الواردة إلينا أن تحدث قفزة سريعة إلى الأمام وتغييرا سريعا في المجتمع على الرغم من أن العادات والتقاليد في الأسرة والمجتمع تحد من سرعة هذا الانجراف مع هذا السيل الهائل والكمي من المعلومات وهو ما يقصد به التوازن بين الجديد المقبل وبين الموروث المتأصل.

ولكن هذا أحدث فجوة عميقة بين تراث فكري وعلمي وإنساني هائل يتم التعامل معه بفهم موضوعي وغير موضوعي في بعض الأحيان وكذلك يأتيه من يراكم عليه من علوم وثقافة واندماج بين فئات مختلفة في العلوم والمعارف والعقائد الأمر الذي أدى إلى طفرة فاقت مستوى الاستيعاب العقلي لمجتمع ما يزال محافظاً على عاداته وتقاليده وثقافته الإسلامية.

وأصبحنا نعيش التناقضات بين أفراد المجتمع، فهناك بعض العائلات تتعامل مع الجديد بسرعة وتفاخر، ولكن دون تدقيق أو مراقبة، فنجد كثيراً من العائلات تقتني جهاز الحاسوب موصولاً بالإنترنت، والأطباق الفضائية، وكلاهما يفتح بابًا على ثقافات شديدة التنوّع، وليست بالضرورة أن تكون جميعها مفيدة.

وكل هذا يحدث دون مراقبة وتوجيه من الأهل الأمر الذي حوّل فئة من هذا النشء إلى أَسْرَى لمعالم الإنترنت، يستقبلون فقط ولا يساهمون بشيء إلا بصورة محدودة وهناك عائلات استطاعت أن تستفيد من هذه الوسائل بسرعة أكبر بحكم مركزها الاجتماعي والمالي، ولكن العائلات الفقيرة ما زالت أكثر محافظة وأقل نصيبا من الثقافات والعلم المقبل إلينا أسرع من درجة استيعابنا له.

أما ونحن نتحدث عن النشء الجديد، فالتعامل مع التقنيات المعلوماتية الحديثة تأخذ مستوى آخر وهي بحاجة ماسة إلى يقظة من الأسرة والمجتمع.

 وهنا نصطدم بواقع جديد وهو هل نستمر في حرمان هذه الفئة من التعامل مع الجديد أو عدم حرمانها من التعامل مع الجديد، ولكن بوعي وتوجيه، ولكن من يستطيع أن يوازن بين المركب الثقافي الذي يتشكل من العقيدة الدينية والأعراف والتقاليد المتفق عليها عموما في المجتمع العربي.

وهل هناك اتفاق أو شبه اتفاق على الأفكار والاتجاهات والميول الخاصة أو الشائعة ومنظومة القيم التي تضبط تفاعل ذلك كله في المجتمع العربي.

إن ذلك موجود في إطار الثقافة الإسلامية ودراسة العلوم الشرعية التي تشكل إطارا عاما للإسلام دينا أو حضارة، أما فيما يتعلق بالعرف الاجتماعي والتقاليد عامها وخاصها بالنسبة للفئات التي يتكون منها المجتمع العربي فهي مختلفة من مجتمع عربي إلى مجتمع عربي آخر.
إن هذا المركب الثقافي يتحدد أيضا في المجتمع العربي بمجموعة من الشروط الموضوعية مثل خصوصية الفئة السكانية التي ينتمي إليها الفرد في المجتمع والدولة.
لذا ينبغي أن نفهم أن المجتمع الذي لا يتبنى فلسفة أو ثقافة واضحة المعالم يكون التطور فيها غاية بحد ذاته من الصعب أن تكون إنجازاته إلا محدودة ومشتتة وتابعة.

ويجب أن تكون لنا ثقافتنا وفلسفتنا ومفاهيم أساسية خاصة بنا، نحرص عليها، ونسعى لترسيخها وتثبيت جذورها في شتى المجالات الفكرية، والاجتماعية، والسياسية، ونعمل على المحافظة عليها، والاهتمام بها، وتأصيلها في أبنائنا، ومن ثم إيصالها إلى الآخرين باستخدام الوسائل المتاحة كلها حتى نحقق هذا الإنجاز الرائع ونتباهى بها بين الأمم.

مصطفى غريب – الرياض

صحيفة الوطن    السبت 29 محرم 1425هـ الموافق 20 مارس 2004م العدد (1268) السنة الرابعة